2021/07/31 | 0 | 2862
النزوع التجريبي للمبدعين الشباب محمد البدي نموذجا
لكل جنس من أجناس الكتابة الأدبية ملامح أدبية تميزه عن الجنس الآخر، وقد تعددت التسميات كما هو بائن للمتتبع بحكم تعدد المفاهيم والرؤى التنظيرية لكل فن.
وعلى سبيل المثال في النثر نجد بأن ما اشتهر بمسمى "قصيدة النثر"، سواء كنا مع هذه التسمية أم لم نكن فإنها لاقت الكثير من الجدليات التي ملأت الساحة بالنقاش في فترات سابقة.
وإنني هنا إذ أسلط الضوء عليها كجنس أدبي نثري مليء بالشاعرية والجودة أقارب بينها وبين النصوص النثرية التي اتخذت تسميات مختلفة، على سبيل المثال هناك الخاطرة، وهناك ما قد يسمى بالنثر المشعور، أو الشعر المنثور ، وأود القول بأن هناك اعترافا ضمنيا بأن قصيدة النثر تحتل المكانة الأميز اعترافا بجودتها، وحسب منظريها وروداها نجد سوزان برنارت تضع أربع مميزات جمالية لها حيث الإيجاز والحصر والتوهج والوحدة الموضوعية، في حين أن أدونيس يعتبر إيقاعها بالأحداث والجرس الحياتي أوقع من الجرس الموسيقي، بينما أنسي الحاج يشترط المجانية والتوهج، وأزدي المناصر يعتبرها نصا تهجينيا مركبا ومزدوجا.
الخلاصة أن لا تعريف موحد لها، بل إن روادها ليرون في المجانية شرطا وعدم خضوعها للقيود.
ومن هنا ألج في إصدار الشاعر الشاب محمد البدي " ما يشبه الغربة" لمقاربة ملامح نصوصه في إصداره مع ملامح قصيدة النثر في محاولة للكشف عن مدى الارتباط الجمالي إن وجد، ولكن قبل ذلك نسجل بعض الإشراقات التي توهجت في هذا الإصدار.
ومنها شجاعة هذا الشاعر الشاب وجرأته على النشر في سن مبكرة نسبيا، فمجرد الكتابة والطباعة والنشر فهذا يعتبر عمليا زفاف كاتب ومبدع إلى ميدان الكتابة بشرط كون نصوصه إبداعية وعلى مستوى واعد ومبشر.
وكذلك نزوعه التجريبي للنثر قادما من الشعر الكلاسيكي المثقل بالقيود من حيث الوزن والقافية والالتزامات الأخرى ، فهذا عنفوان الشباب المحرض على الإبداع.
ولنأتِ للموضوعات المتناولة في هذا الإصدار سنجدها موضوعات العصر الحيوية وتتناول بعض أسئلته الكبرى كالحب والغربة والأمومة والصداقة والكتابة.
وسنجد فيها بعض التعريفات المبتكرة لبعض المصطلحات حول الكتابة عن الكتابة، وإن جاز لي أسميها : ما وراء النص أو "ميتانص".
وسنجد عدم خلوص الشاعر للمسلمات واليقينيات وهذا دليل قلق خلاّق ومحرض، وستجد نصوصا متوهجة بذلك مثل: نصف اكتمال، تشظّ، شخص يشبه كتابا، كأني لم أكن، وقصائد مجانية .
أي أن الشاعر الشاب محمد البدي قدّم ما لم يسعه في الشعر تقديمه، وهذا يستحضر عندي قول الشاعر إبراهيم البوشفيع : إني أكتب نثرا ما لا أستطيعه شعرا.
ومن هنا أشير لما ينبغي للشاعر محمد البدي أن يتجاوزه من أجل الاستمرار في التحليق عاليا في سماء الكتابة.
ومن هنا أذكر قول الناقد محمد العباس: "محمود درويش أب شعري عصي على القتل، إذ ما يزال فصيل عريض من الشعراء تحت سطوة أسلوبه، معجمه، أو حتى مزاجه الشعري".
فمرحلة التأثر مرحلة طبيعية لدى كل كاتب شاب لكن عليه الخروج من قمقمه وكسره ، والتأثر هذا موجود في نصوص ما يشبه الغربة للمتتبع.
وكذلك على شاعرنا البدي أن يتجاوز الأخطاء الأساس من حيث عدم الوقوع فيها من قبيل اللغة والإعراب وما تتطلبه عملية الكتابة ، وعدم جعلها تستهلك ما يكتب ويستنزفه الوقوع فيها.
وأدعوه كذلك للانتقال من فضول التجربة بنوازعها إلى الممارسة النشطة والفعلية في ذلك من حيث الاستمرار في الغوص في العمق، وعدم التراجع للشاطئ والتردد في عملية التجريب والاقتحام.
وأدعوه أن لا ينشر ويطبع كل ما يكتب بالضرورة إلا أن يكون مستوفيا للنمو والاكتمال الإبداعي من أدوات حتى تكون ثماره ناضجة جنية.
وأهم نقطة في ذلك كله هو انتقال الانفعال إلى الأفعال وليس للافتعال الشعري الذي يصيب شيئا آخر يشبه الكتابة الإبداعية لكنه لا يمت لها بصلة.
وعليه فإنه يجدر بنا أن نلاحظ تعدد أشكال وقوالب الكتابة الإبداعية في تزايد ملحوظ بما يشكل لنا هاجسا بأن نلاحظها وندرس خصائصها وسماتها الفارقة، فقد أصبح جديرا كذلك خروجنا من مرحلة التسميات والجدليات المتعلقة بذلك وعدم الوقوع والإيقاع وسط هذه الفخاخ، وقد قال الماغوط: لا يهمني أن يقال إن ما أكتبه ليس بشعر، ولكن أن يكون جميلا.
وكذلك مسألة نزوع الشباب المبدعين للكتابة بأشكال أخرى مغايرة للقصيدة العمودية نزوع يجب أن يرافقه وعي منا باحتياجات المبدع وأفكاره التي قد لا يحققها الشعر، فلنفتح الباب أمامهم للتجريب الممتع ، وأعتقد بأن شاعرنا البدي خلال الفترة التي كتب فيها النصوص من ٢٠١٦ إلى ٢٠١٨ لم يسعه الشعر .
ورجوعا للبدي فإني وجدت في نصوصه في "ما يشبه الغربة" وطنا من الصور الجميلة ذات الإيقاع المشابه قليلا لقصيدة النثر من حيث التوهج والحصر، ولكن أمامه الكثير من التحديات لتجاوز العقبات التي تجاوز بعضها في الخروج من سطحية الخاطرة إلى أغوار قصيدة النثر، وأهمها أن يمسك القلم بقوة لينقش نقوشا جميلة في أجدر الذاكرة الأدبية .
جديد الموقع
- 2024-05-08 جامعة الملك فيصل تشارك في مؤتمر ومعرض الشرق الأوسط لهندسة العمليات 2024 بالظهران إكسبو
- 2024-05-07 فاطمة السحاري : لا يسعفني قلمي ولا وجعي .. فالمسافر راح .. فرحمة الله تحتويك يا "البدر"
- 2024-05-07 الخريف يرعى تكريم اللجنة المنظمة للنسخة الثالثة لـ حرفيون
- 2024-05-07 ضمن برنامج الاحتفاء بأسبوع الأصم العربي ٤٩
- 2024-05-07 أهمية الكتب الورقية: لماذا الكتاب الورقي الذي يحمله الطفل بيديه أفضل من الكتاب الذي يقرأه على الشاشة؟
- 2024-05-07 الدور الخفي لدرب التبانة في الميثولوجيا المصرية القديمة
- 2024-05-07 القراءة ونشوة المعرفة
- 2024-05-07 أنامل على الأعتاب في مدح السادة الأطياب اصدار جديد
- 2024-05-07 أنامل على الأعتاب في مدح السادة الأطياب اصدار جديد
- 2024-05-06 ابن المقرب في بيت الشعر بالقيروان