أقلام وكتابات
2020/05/22 | 0 | 2807
المقهى بين مخيلتي والكتابة
( محمد الحرز )
المقاهي حالة شعرية في ذاكرة الكتابة , يستحيل أن يخبت وهجها أو ينطفئ.
هي عندي الرافعة التي لا تنفك ترفد الحافز الشعوري على الكتابة, وتستعيد ما تراكم من تجارب عديدة ومتنوعة في القراءة .
وكأن المقاهي شرط للدخول إلى بيت الكتابة بعد أن تضيئه من الداخل. لكني أعيش في مدينة لا تشكل المقاهي مساحة كبيرة منها, ولا تتخذ موقع الصدارة في حياتها الاجتماعية اليومية .
طرق الحياة المفضية للمقهى تحتاج إلى مدن صاخبة ضاجة بالحركة والفوضى وتشكل الأحداث المتوالية .
وهذه الطرق شبه معدومة في مدينة مثل الأحساء , على الأقل في الفترة التي عشت فيها طفولتي ومراهقتي ومطالع شبابي إلى بداية تشكل وعيي بالكتابة والاهتمام بالطرق المؤدية إليها .
لكن على الرغم من ذلك لم أعدم طرق المخيلة التي صنعت مقهاي الخاص عبر ذاكرة القراءة , فعندما كنت أتلقى صور المقاهي في ذاكرة الروايات والقصص التي انطبعت في ذهني كصورة مقهى الفيشاوي في روايات نجيب محفوظ على سبيل المثال , أخذت هذه الصور تتمدد في مساحات لا بأس بها في مخيلتي , وأصبحت تلح خصوصا ما كان يرفد ذلك لا حقا صورة المقهى في السينما المصرية فترة السبعينات والثمانينات الميلادية.
في فترة بداية التسعينات كتبت نصوصا كان المقهى حاضرا فيها كمفردة استدعيت من مخيلة القراءة على عجل, وكأنها صورة كومبارس في مسرحية , أو مجرد إطار لصورة , أو سور على حديقة منزل .
كانت المفردة مغرية , وكانت تمثل علامة على حداثة النصوص وجدتها .
لكن سرعان ما تعمقت تجربتي في حياة المقاهي بعدما زرت العديد من المقاهي المشهورة في العالمين العربي والغربي, وأصبحت هذه الحياة تحتل مساحة كبيرة في ذاكرتي الإبداعية , إنها حياة صاخبة تنبض بالحركة , والأجمل إنها ترتبط بأصدقاء لا يمكن أن ينسلوا من الذاكرة دون أن يغرسوا فيها جذور أحاديثهم وصور ملامحهم التي لن تغيب , فأصبح حضور المقهى عندي دلالة على حضورهم , وحضور صورهم بدوره دلالة على المادة الخام القابلة للكتابة في أي وقت .
تعرفت خلالها على العديد من الأصدقاء الشعراء والكتاب المبدعين , فاللقاءات الأولى , وبالذات عندما تجري أحداثها في المقهى , بالنسبة لي هي عنوان كبير على حدث لا ينسى , قد تغيب تفاصيله الدقيقة بتقادم الزمن .
لكن الأهم هو أنه يبقى في يدي أشبه بالحجر الصغير كلما رميته في بركة ماء راكد , سيصنع دوائر على سطح هذه البركة تكبر شيئا فشيئا حتى تكون حوافز الكتابة قد أكملت استعدادها .
مقهى الرصيف هو إحدى المحطات الرئيسة الملتصقة بتجربتي في الكتابة , هذا المقهى الواقع في شارع الثريات , على طريق الظهران كانت أجواؤه لا تنفك تتسلل إلى ذهني باعتبارها حالة شعرية تستدعي في أغلب الأحيان الكتابة . الطاولة المستديرة والتفاف الأصدقاء حولها والضوء الخفيف الساقط من الأعلى على الطاولة , وإشعال السجائر الممزوج دخانها بالأحاديث .
مثل هذه الصورة لا تغادر ذهني , بل تتحول هذه الأجواء إلى فضاء سحري تستدعي الكتابة بأي صورة كانت . أكثر من عشرين سنة ظل هذا المقهى رافدا كبيرا بالنسبة لي , لا للكتابة فقط , وإنما لتطور تجربتي نحو المزيد من التصاقها بالخبرة الواقعية , ونحو المزيد من معرفة الأصدقاء والمبدعين في شتى صنوف المعرفة .
لكن المفارقة الشديدة هي أني لا أذكر يوما من الأيام أن استسلمت للكتابة في فضاء المقهى , ولا للقراءة أيضا إلا في حالات نادرة أكون مضطرا إلى ذلك . أنا كائن لا مرأي ولا كائن متنصت أو مجرد الشعور بهما معا , فلا أعرف طريقا للكتابة إلا إذا كنت متوحدا مع الفضاء الذي أكتب فيه , لا عين تتلصص ,لا أذن تصغي, ولا صمت يزعجك في التفكير به .
لذلك لا معنى عندي للعزلة- خصوصا إذا ما كانت قسرية تحت أزمة فيروس كورونا - إذا كانت تتصل بالكتابة أو القراءة وما يستتبع ذلك من هدوء وتأمل وسكينة واطمئنان.
تعلمت من الفيلسوف هيدجر معنى الفرق بين العزلة والوحدة, الأولى أن تنعزل عن الناس وتبتعد عنهم بينما الثانية أن تكون بينهم . لكن بشروطك التي تفتح لك طريق التأمل والاطمئنان والسكينة , وهذه بالطبع تحتاج إلى ممارسة وتعود .
حاولت ركوب الموجة الثانية , نجحت في بعض الأحيان أخفقت في أحيان أخرى . لكن الممارسة والتجريب في أزمة مثل هذه , وفي شيء يتعلق بالكتابة والإبداع يظل ضرورة يستحيل التخلي عنها طالما كنا قادرين على التعبير كتابيا .
جديد الموقع
- 2024-09-20 حين تكون القراءة هي العقوبة
- 2024-09-19 سمو محافظ الأحساء يشيد بمضامين الخطاب الملكي في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى
- 2024-09-19 أمير الشرقية: الخطاب الملكي أكد على مضي بلادنا لتحقيق المزيد من التطور والازدهار والنماء
- 2024-09-19 سمو نائب أمير الشرقية يشيد بمضامين الخطاب الملكي السنوي
- 2024-09-19 قصيدة النثر باعتبارها صندوقا مملوءا بالذهب
- 2024-09-19 أفراح العباد والبخيت بالمطيرفي تهانينا
- 2024-09-18 التعصب والمتعصبون
- 2024-09-17 الفتيات الصغيرات تستخدم مستحضرات مضادة للشيخوخة شاهدنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. الضرر النفسي الحاصل بسببها أعمق من الضرر الذي أصاب البشرة
- 2024-09-17 التدخين أثناء الحمل يضر بالأم وبالجنين ولاحقًا بمستوى تحصيل الطفل الدراسي
- 2024-09-17 الأدلة لا تفيد بأن من عاشوا خلال المراحل الأخيرة من العصر الحجري في شمال غرب المملكة العربية السعودية قد واجهوا تحديات موجات جفاف مما اضطرّهم الي الترحال، بل عاشوا حياة متقدمة ومزدهرة