2022/03/30 | 0 | 1429
القيمة الإنسانية والرسالية في نهضة الإمام الحسين ( ملحمة كربلاء الحسين في الوجدان )
على مرّ التاريخ تبقى صورة الإمام الحسين(ع) ومشهديته أنه بطل التحرر في العالم منذ نهضته في العام 61 للهجرة، لما تمثله هذه النهضة من ارتباط بين الالتزام العقائدي وقيام مجتمع العدالة الاجتماعية واحترام القيم الإنسانية.
ونعني بأنه بطل التحرر في العالم لأنه شكّل المثال والقدوة لكثير من زعماء حركات التحرر في العالم لما مثّله من إرادة في مقاومة الظلم وطغيان الأنظمة الاستبدادية.
فالشهامة الإنسانية التي تربت عليها شخصيته، والبطولية في التضحية الإرادية في تقديم المبدأ على النفس، كافيان عند ابن السبع وخمسين عاماً أن يقف شامخاً أمام أعدائه ليقول: لا أعطي بيدي إعطاء الذليل ول أفرّ فرار العبيد. فكانت صرخته هذه : القدوة والمثل.
هكذا يعيش الإمام الحسين في ضمير ووجدان الإنسانية عامة.
إن مواقفه ، وهذا الإيثار وهذه التضحية، وروح البطولة التي تعتمر في نفسه، لم تشد العزائم في همم الرجال فحسب، إنما اعتملت في وجدان أهل الأدب ، فأججت في نفوسهم قريحتهم الشعرية المتجددة كل عام، لتنقل المشاهد بوجدانية عاطفية إلى جانب مآثر البطولة واستبسال أصحاب الإمام(ع) وأبنائه ، حيث البلاغة الشعرية تجيء أكثر فصاحة في التعبير عن هذه الواقعة.
ها هو ابن السلالة الشريفة السيد محمد رضا السلمان ينشد:
إن عاشوراء لغزٌ حار فيه العلماء
لم يكن محض حديث فيه دمع ودماء
بل هو “الإسلام” يدعو كل أصحاب الوفاء
إنما الإبداع كونٌ برمجته كربلاء
بهذا الوجدان العامر فكراً وعاطفة، ينشد السيد السلمان مطالع “ملحمة كربلاء الحسين” لهذا العام، فيوجزها بجملٍ بلاغيةٍ تعرّفنا إلى أي مدى كان إيثار وأثر هذه الملحة على مدى الأجيال: (إن عاشوراء لغزٌ)، لغزٌ لأن لها ما قبلها ولها ما بعدها، فالقارىء للتاريخ يعرف مواقف الإمام(ع) قبل يوم عاشوراء والأدوار التي تولاّها في عهد خلافة أبيه (ع) ، ويعرف نهجه الدائم في الدعوة إلى الإصلاح بين أبناء المجتمع ودفاعه عن الحق غير آبه بالموت في سبيله وهو الذي تَرَعَ مناهجه من لدنّ النبوة. ففي خطبة له، وكأنه لسان أبيه (ع)، حين يخاطب أهل الكوفة يحثهم على نبذ الخلافات والتهيوء للحرب، فيقول: ” أنتم الأحبة الكرماء، والشعار دون الدثار، جدُّو في إحياء ما دثر بينكم، وإسهال ما توعّر عليكم، وأُلفة ما ذاع منكم. ألا إن الحرب شرّها ذريع، وطمعها فظيع، وهي جُرعٌ مُتَحَسَّاة، فمن أخذ لها أهبَّتها، واستعد لها عدّتها، ولم يألم كلومها عند حلولها، فذاك قَمِنٌ ألا ينفع قومه وأن يهلك نفسه…”.
لهذا يريد منّا السيد السلمان أن نذهب معه في البحث عن هذا اللغز، عن هذه القيمة الإنسانية والقيمة الرسالية ، التي كانت لأجلهما هذه الواقعة ، إلى أن يقول : (إنما الإبداع كونٌ / برمجته كربلاء) ، فيؤكد أن في مشاهد كربلاء وما تمثله ، ما لم يؤثر به فقط ، بل هي ملحمة لكل إبداع وفي أي مجال ، والإبداع لا يكون إلاّ حين يعمر به الوجدان ، فكيف والحال عند ذائقة الشعر والشعراء ؟
ومن أجدر من الشعر أن يرسم صور البطولة في الملاحم وقد كان سلاحاً يعتمد فيها، حيث كان يرافق الشعر السيوف.
وعلى هذا، من أجدر من ابن السلالة المحمدية أن ينقل تلك الصور والمشاهد، فيجسدها أمام أعيننا في هذا المجال الأدبي.
ونستزيد من بلاغة مفرداته في مطالع قريضته “ملحمة كربلاء الحسين” لتكون عناوين تُرفع على المنابر وتصدح بها الحناجر ، فيقول : (إن عاشوراء فتحٌ) (إن يوم الطف مجدٌ) (إن يوم الطف جرحٌ) (إن يوم الطف روحٌ) (إن عاشوراء درسٌ) (إن عاشوراء صمتٌ)، وفي هذا الوصف الأخير لم يأخذه الصمت إلى عالم العاطفة والدمعة، إنما إلى همّة الثورة، إلى أن تعلو في داخله صيحة الثائر، إن روح الإرادة الحرة والنفس الأبية تنتقل إلى نفس كل ثائر. وليس غريباً على سليل الأوصياء أن تكون نفسه عامرة بهذا الوجدان وهو يثور بوجه من يمكن أن تسوّل له نفسه أو أن يسعى إلى شرذمة الأمة وتحريف مناهج الرسالة المحمدية دساً في الأحاديث ووضعاً لها أو أخذها إلى ما يناسب الأهواء، ناهيك عن استغلال عاطفة المؤمنين وتوجهيها لما يشوّه أسس روافد علمها وسيرة أعلامها، ولا يخشى في الله لومة لائم. ويقول: (إن قصر الحرِّ قبره).
وحين يستعيد في روحه تلك اللحظات الإنسانية التي عاشتها بطلة كربلاء ويأخذه الحنين إلى دمعة تترقرق في مآقيه ، يقول : (إن عاشوراء زينب) ، صحيح أن الصورة للوهلة الأولى عاطفية ، إلاّ أن الضمير عنده أن السيدة زينب (ع) هي من أوصلت لنا هذا الكبرياء في هذه الواقعة، وهي التي جعلت بفصاحتها ودمعتها في آن، من عاشوراء درساً تتلقفه الأجيال جيلاً بعد جيل ، وهي التي عادلت بمواقفها وقيادتها لمرحلة ما بعد استشهاد الإمام (ع)، مواقف الإمام في ذلك اليوم.
ويقول في مكان آخر، وقد فاض به الحنين :
أسرج ضميرك ألقِ الهمّ والتعبا وأقصد بقلبك من “بالطف” قد وثبا
أرسل دموعك علّ “السبط” يقبلها مرسول صدق يشق الأفق والسُّحبا
جديد الموقع
- 2024-05-07 فاطمة السحاري : لا يسعفني قلمي ولا وجعي .. فالمسافر راح .. فرحمة الله تحتويك يا "البدر"
- 2024-05-07 الخريف يرعى تكريم اللجنة المنظمة للنسخة الثالثة لـ حرفيون
- 2024-05-07 ضمن برنامج الاحتفاء بأسبوع الأصم العربي ٤٩
- 2024-05-07 أهمية الكتب الورقية: لماذا الكتاب الورقي الذي يحمله الطفل بيديه أفضل من الكتاب الذي يقرأه على الشاشة؟
- 2024-05-07 الدور الخفي لدرب التبانة في الميثولوجيا المصرية القديمة
- 2024-05-07 القراءة ونشوة المعرفة
- 2024-05-07 أنامل على الأعتاب في مدح السادة الأطياب اصدار جديد
- 2024-05-07 أنامل على الأعتاب في مدح السادة الأطياب اصدار جديد
- 2024-05-06 ابن المقرب في بيت الشعر بالقيروان
- 2024-05-06 مدينة مصغرة لواحة الأحساء الزراعية