2023/05/29 | 0 | 1450
الشعر بين الرويَّة والبديهة و الروح والجسد. قراءة في ديوان (قبل التيه برقصة) للشاعر والناقد هاني الحسن
الرويّة والبديهة مصطلحان نقديان من مصطلحات النقد العربي القديم،ورد ذكرهما على لسان ابن الرومي في قوله:
الرويّة تستدعي مفاهيم تحفّ بها؛ كالتشذيب والتحكيك، والعرض والمراجعة، ونقد الذات.
والبديهة تستدعي الموهبة والطبع والارتجال و جريان اللغة وانسيابها.
وهاتان السمتان لا يجتمعان في شاعر إلا كان شعره ناهضا بشرط ألا يطغى أحدهما على الآخر.
هاني الحَسن جمع بين الحُسنيين في هذا الديوان،
فجاء شعره متوازنا ومتدفقا ومنسابا.
إنّ معادلة الرويَّة والبديهة معادلة صعبة تتلبّس الشاعر عندما يكون ناقدا فتعيق انطلاقه وتحدُّ من جريانه أثناء الكتابة، فإذا كان في داخل كل شاعر ناقد حصيف يضبط إيقاعه أثناء الكتابة وماذاك الناقد إلا روحه الناقدة، فإنّ الشاعر الناقد سيكون محاطا بناقدين ضابطين؛ الروح الناقدة التي يمتلكها كل شاعر، والناقد التقليدي المتمرس، هذان الناقدان الرقيبان ربما تسبّبا في إعاقة انطلاق الشاعر والحدّ من تدفقه وجريانه في مضمار الكتابة، فتجده في تردّد دائم أمام مواجهة الإبداع ومحاسبة الذات الشاعرة بشكل حاسم؛ ممّا يضعف المَلَكة ويعيق الشعور أحيانا، تأخذه هذه الحالة ناحية المعقول وجهة المعايير الدقيقة للغة، فيكون أقرب إلى الحقيقة وأبعد عن التخييل والإشارة وبين البين... وهذه الأمور من مرشّحات الشعر الجميل.
الشاعر الناقد أشبه مايكون بالطبيب حين يجري عملية جراحية لنفسه، وفي ذلك من العسر مالا يخفى، ومما يزيد الشاعر الناقد قلقا أنه ربما خشي أن يؤخذ عليه ما أخذه هو على غيره، فيكون محاطا أثناء الكتابة بمحاسبة عسيرة للنفس مخافة أن يعتري قصيدته النقص، فيكون محاجَّا بالمساواة على مبدأ (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)
لقد تمكّن هاني من الجمع بين ثنائية النقد والشعر فجاء شعره منسابا ومكثّفا ومتوازيا مع تعريف للبلاغة العربية في أنها: كرم المعاني في شحّ اللفظ، وحسبك أن تقرأ هذه الأبيات لتتلمس بنفسك هذا الاختزال:
ورغم الدهشة المتحصِّلة من التكثيف والضغط الكمي للألفاظ فإنّ الوضع الدَّلالي لم يفارق الغرض المدني كما يسميه ابن سينا، وهو غرض روحي أخلاقي ينتصر للروح والأخلاق ولمعاني القيمة التي تحث على فعلٍ وتردع عن فعلٍ آخر، فالعفاف والحياء يصدّان الشاعر عن ممارسة الحب الجسدي، ويسموان به إلى عالم الروح والتصوّف، نعم يريد الشاعر أن يكون صادقا مع القيم، ويريد الشعر أن يكون كاذبا مع الواقع الذي يعيشه الشاعر في عالم الخيال، يريد الشاعر أن يكون متوائما مع الأخلاق والتقاليد ويريد الشعر أن يكون مختلفا عن السائد ومنفلتا عن قيود اللغة ورتابة الوضع اللغوي.
هذه الأبيات الجميلة تذكرنا بتصوّف أبي العلاء المعريّ الذي حرم جسده من اللذات وعاش الروح مجردة عن الجسد، فعاتبه بدويّ الجبل بقوله:
إن ظاهرة الصدق الأخلاقي تتوازى مع الصدق الفني لدى هاني، وهي من أهم سمات تجلّي هذا الديوان (قبل التيه برقصة) الذي غامر في تجربته مع اللغة مغامرة دافئة وحالمة؛ لأنها
تقترن اقترانًا وثيقًا بالرومانسية، والرومانسية التي تكتفي بالحلم تبقى حروفها مسيّجةً بأسوار الأنا والذات التائهة، أمّا الرومانسية التي تفتح أذرعتها للغة وتفرِّغ صدرها من الأحلام الكسولة، وتقلِّم من أجنحتها الهائمة بالقرب من الأرض، والنهر، والزهر، والثمر، والطير... فهي تقدِّم نموذجًا يفي بمتطلبات الشعر الجميل في ابتكار علاقات الأشياء وتدشينها في لحظات وجدانية راقصة تنتظم في موسيقى عالية، وهو ماتكشف عنه هذه الأبيات:
هل لعيد النشوة الأولى مذاق
ولنا في رغبة الوصل عناق
عتَّق الثغر الذي تغفو لماه
في جوى الروح السقيمة
أورقى زهرًا على جدب فلاتي
ربما يرقص عشبٌ
وسط صحرائي
وتخضرُّ على كتفي العزيمة
ورغم التشتت الرومانسي والتيه الخيالي الذي يشعُّ من هذه النصوص الأَنَوِيَّة إلّا أنّ العتبة الأولى (قبل التيه برقصة) تبدو متصلةً اتصالاً وثيقًا بالقصائد التي انضوت تحتها، فقد كوّنت بِنيةً مفتقرة إلى عنوانها من الناحية الدلاليّة ومن ناحية التآزر الكبير بين بوابة العبور ولغة الديوان، وهذا يعني أنّ إحالة العنوان إلى عمله إحالة منطقية تدعو إلى إشراكه في قراءة النصوص، فهو بمثابة شاغر قرائي بين النصوص والعنوان رغم افتقار العناوين_ في المجمل_إلى الصياغة النحوية أو البلاغية الصادمة التي تُبنى على الغريب وإثارة الدهشة؛ ممّا يجعلها رهينة الصياغة الإجرائية.
الحب والشعر صنوان في هذا الديوان؛ كلاهما مفتاح بوابة الأحلام وسادن المشاعر الإنسانية حتى غدا هذا المعنى حدًّا شاعريًّا يُغنِّيه المبدع من أجل البؤساء؛ ليمارسَ به حبًّا معنويًّا مقدّسًا:
ومن أجل الرغبات أحيانا؛ ليمارس به حبًّا مؤنّسًا:
هذا الشحن العاطفي المتصارع بين الروح والجسد سبب أصيل في تجاذب وتدافع وتنافر قواميس اللغة ودلالاتها وتشعّبها في هذا الديوان، حيث تشكل القصيدة مرآة شاعرها:
ورغم هذا الصراع الذي يعدّ انعكاسا لصراع ثنائية (الجسد والروح) في النفس الشاعرة والنفس البشرية بشكل عام، فالقصيدة تنتصر جماليًّا للروح:
لقد كانت هذه النصوص أمينة مع لغتها ومتصالحة مع المتلقين بجميع أطيافهم ما يجعلها جديرة بالقراءة والتأمل.
جديد الموقع
- 2024-05-04 عميدة اسرة العليو بالاحساء في ذمة الله تعالى
- 2024-05-04 فريق طبي في مدينة الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) الطبية يجري عملية تثبيت وتعديل الفقرات القطنية لمريض بعمر (56) عام
- 2024-05-03 مستشفى اليرموك التعليمي يجري عملية قسطارية طارئة لمريض يعاني من احتشاء العضلة القلبية
- 2024-05-03 مستشفى الأمام علي (عليه السلام) العام في بغداد يجري عملية تداخل قسطاري طارئ لمريض يبلغ من العمر 48 عام
- 2024-05-03 "بيئة الأحساء تنفذ يوم بيئي مع جماهير نادي الفتح الرياضي"
- 2024-05-03 النجف رصاصة طائشة تصيب زائر أثناء تأدية صلاة المغرب في الصحن الحيدري
- 2024-05-03 بعد عقم دام 7 سنوات أسرة ترزق بتوأم في مستشفى كمال السامرائي
- 2024-05-03 طوارئ مستشفى الحلة التعليمي في بابل تنقذ حياة طفل تعرض إلى صعقة كهربائية
- 2024-05-03 مستشفى بعقوبة التعليمي في ديالى ينجح بإجراء عملية تطويل عظم الساق لمريض يعاني من قصر الطرف السفلي
- 2024-05-03 بعملية منظارية طارئة فريق طبي في مركز كربلاء لأمراض وجراحة الجهاز الهضمي والكبد ينقذ حياة طفل ابتلع قطعة نقود معدنية