2024/11/15 | 0 | 813
أمي لآخر عمري
علم الكلام
لا أعني به بحث وتحليل العقيدة ولا الاستدلال المنطقي عليها، وتقديم البراهين والحجج في سبيل إثباتها، ولا دحض الأقوال التي تخالفها معنى ومبنى.
إنما أتحدث عن سيدة لم تلتحق بمدرسة نظامية ولم تتعلم القراءة والكتابة في معهد علمي أو جامعة غربية، لكنها تذهلني بإتقانها علم الكلام المرتجل، دون تقعر في الحديث ولا مراعاة لقواعد النحو، وكذلك هي لا تملك تعريفا لغويا لمفردة (أدب) لكنها حازت الآداب وعلمتها دون طرق تدريسية ممنهجة، لم تقرأ كتابا واحدا في فنون كسب القلوب، قلوب الآخرين، لكنها اكتسحت جماهير جيرانها الساحقة بمكانتها وعلو مقامها عندهم، لم تمسك قلما ومسطرة تقيس بهما أبعاد الخرائط الهندسية والتصاميم المعمارية الحديثة، لكنها نظّمت الحياة على دقات قلبها التي أضحت أنغاما مضبوطة على إيقاع الحب.
كانت فقط تحمل الماء على كتفها من عين المسجد القريبة وتجلبه إلى المنزل، وتجمع أعواد الحطب كي توقدها تحت قدرها الصغير، فيما هي توقد إحساسنا نحن الصغار بمعاناتها وأتعابها التي لا تخطر لها على بال، لا لشيء سوى أنها تعطي انطلاقا من محفز ذاتي، لا مؤثر خارجي، تنبجس هكذا كالينبوع دفقا ودفئا، وتشرق هكذا كالشمس ضوءا وألقا.
ليست (زرقاء اليمامة)، لكنها ترى مستقبلي، وهي ترسم خطتي وخطاي نحوه ببصيرة العارف، لا تتنطع في الحديث فهي فقط تحفظ سربا من قصار السور دون إجادة ولا تجويد، لكن لها سمات الطاهرين الذاكرين.
لم تكتشف قانونا (نيتروجينا) في الفيزياء، لكنها علمتنا كيف نكتشف عنصر الطاقة في الروح، ولم تسمع عن (تفاحة نيوتن) لكنها تتمتع بجاذبية طبيعية في السلوك والقول، ولم تقس سرعة الرياح في الجو، لكنها حذرتنا من سرعة الزمن دون إنجاز.
كانت تعجن دقيق الحب في تنور السعادة وتطعم به أفواهنا، وتجمع باقات اللطف من الحقل القريب في الوقت الذي تجمعنا على مائدة الإفطار، والشمس تحط على كتفيها وتتبع آثارها في باحة البيت.
إنها المرأة التي لم تضع أمام اسمها (د.) ولم تبحث عن تخصص نادر تبز به قريناتها في المجالس، ولم تبروز شهاداتها العليا سوى التي نالتها من جامعة الحياة.
المرأة التي لم تتابع يوما موديلات الأزياء ذات التصاميم العالمية ولم تدخل سباقات الموضات، ولم تحمل حقيبة يد ذات ماركة عالية، وإن حملت فمن السوق الشعبية في القرية التي تسكنها، فقط لتضع فيها مفتاح منزلها وقارورة نبض صغيرة تفوح بعطر الأمهات، وعلاجها من كبسولات الضغط، ضغط الحياة، والسكر الذي اجتاحها من مرارة هذا العيش.
جديد الموقع
- 2025-01-25 رجال تمنيّتُ اللقاء بهم
- 2025-01-24 مركز بر حي الملك فهد يستضيف ورشة العمل المقدمة للمدراء
- 2025-01-24 افراح العمران والقطان في أماسي الجوهرة بالاحساء
- 2025-01-24 شكرًا للطاقم الطبي في مستشفي الموسى التخصصي على رعايته لابن الزميل الإعلامي زهير الغزال
- 2025-01-23 الاحتيال.. أنواعه وآثاره.
- 2025-01-23 حول تجربة التحديث في المملكة
- 2025-01-23 حول تجربة التحديث في المملكة
- 2025-01-23 م ق ج عن القراءة
- 2025-01-23 القارئ الماهر وأمين المكتبة
- 2025-01-23 ظاهرة "اليد الساخنة" و "مغالطة المقامر": لماذا تجد أدمغتنا صعوبة في الاعتقاد بالعشوائية