2022/01/09 | 0 | 4043
و بحب الناس الرايقة
في الأصل كل أبناء آدم دون أستثناء يحبون الرفاهية و الدعة و التفائل و الروقان و المكاسب السهلة و الضحك و المرح و السعادة و دوام الصحة و سعة الرزق و زيادة الخير في المال و العيال و لذيذ الطعام و سماع الكلام الايجابي . و يكره كل أبناء آدم الموت و المرض و الفقر و السجون و الحوادث و الخسارة و الرسوب و التعاسة و النكد و الرحيل و المنغصات و التشاؤوم و السلبية .
و واقع الحياة التي نعيشها في هذا الكوكب الجميل متقلب بين حال و حال لاغلب الناس . لا سيما و اننا نعيش في عالم مليئ بتصادم المصالح و صراع الارادات و التنافس الغير شريف و تنوع الايدلوجيات و تضخم الانا و عنصرية التحيز فضلا عن وجود الكوارث الطبيعية مثل الزلازل و البراكين و السيول و الاعاصير و الاوبئة و الفيروسات .
نعلم علم اليقين بان الانسان يعيش الحالة الايجابية احيانا و يتعرض للحالة الانكسارية احيانا الاخرى . فالانسان الموضوعي لا ينغمس في الحزن بشكل مفرط و لا يفرط في التفاؤل بحد الافراط . و انما يوازن بين كل الاحداث الواقعة من حوله و يؤثر فيما يستطيع من الاحداث و يستثمر الاحداث الصادرة منه او ممن هم حوله لصنع الافضل من يومه و سنته و حياته و بث حياة و نماذج و مفاهيم اجمل لمن هم حوله .
قد يتضجر بعض الشباب من محيطهم الاجتماعي الذي انغمس في الحزن و تناقل قصص الاحباط و البؤوس و الكآبة بشكل مفرط. فيتخذ بعض الشباب و الفتيات كلمات الأغنية المشهورة :
و بحب الناس الرايقة
اللي بتضحك على طول
اما العالم المضايقة انا لئه ما ليش في دُوّل
كشعار لهم في نبذ كل ما يدور حولهم في مجتمعهم او عرقهم من قصص بؤس و احباط . بل البعض يصل به حب المتابعة الدائمة و الشغف الشديد بمشاهدة مقاطع الفيديوهات المضحكة و سماع الموسيقى الصاخبة و الاغاني المائعة حد الثمالة . حتى اوصلت البعض منهم لمرحلة موت القلب و تغييب الضمير الانساني الحي بقصد الهروب من مواجهة الواقع بمره و حلوه . و هناك من يحلم بالذهاب لمجتمعات اخرى ليس للعلم و تحسين المستوى المالي و انما ليستحصل حالة الروقان الدائم لان ما يراه في التلفاز من صور وردية عن ذاك المجتمع تبعث في مخيلته ان الضفة الاخرى من النهر اكثر اخضرارا و ليس بها مشاكل و تحديات .
في عالم اليوم برزت ظاهرة تستحق التمعن و التدقيق و الدراسة وهي : ظاهرة كثرة التداول لمقاطع الفيديو المضحكة حتى لو تضمنت مناظر بائسة و وقوع ضحايا و اصابات مميته و انكشاف عورات و تبرج مقيت و انزلاقات أخلاقية و عقائدية كبرى . هذا الأمر أثار تساؤلات عدة في ذهني ، لا سيما عندما اُشاهد مقطع لرجل / أمرأة يستمر في تصوير ضحايا مقربين له دما و نسبا و هم في امس الحاجة لمساعدته قبل و قوع حادث كالسقوط أو الانزلاق . فيؤثر ذاك المصور توثيق الحرج الذي وقعوا فيه على مد يد العون في استنقاذهم ! و ينشر ذلك الشخص المقطع الذي صوره على الملأ على انه موقف مضحك ليشارك به الاخرين بدل من ايقاف التصوير و تنبيه الضحايا قبل وقوع الحادث .
سوء الفهم و التوظيف لمصطلح الروقان بين بعض الشباب و الفتيات ادى الى انكار الواقع الذي يعيشونه و الكفر به و التركيز فقط و فقط على مجالسة اصحاب الطرب و الوناسة و شلل الطرافة و متابعة بعض قروبات العالم الافتراضي لتبادل مقاطع الفيديو للمواقف المضحكة . و الأدهى ان هذا المفهوم عن الروقان استطال ليشمل مفهوم الايجابية و تعريف الانسان الايجابي في اذهان البعض منهم . فاصبح لدى البعض تصور ان مفهوم الايجابية و التفائل هو سماع الكلام المنمق و الحلو و دغدغة المشاعر و رسم الاحلام الوردية حتى لو كان ذلك الكلام و قائله مُخالفان للواقع المُعاش و الامكانيات المتاحة و الفرص المتوفرة و الاحصائيات الرسمية المنشورة .
التفائل شي جميل و كل العقلاء يتبنونه و يعملون به تطلعا لمستقبل افضل و يوم أجمل . الا ان درجات التفائل لدى البعض اخذت منحى غير منطقي و غير عُقلائي . الانسان الايجابي يواجه الواقع بتحدياته و يسخر كل طاقاته لتوظيف الاحداث في خلق افضل الممكن و ينظر لزوايا الجميلة في الأحداث و لا ينكر او يهرب من الواقع بالانغماس في مشاهدة مقاطع فيديو مضحكة بشكل مستمر أو سماع أغاني ليل نهار أو احاطة النفس باهل الهزل و المهايط . فكما ينتقد البعض و انا ايضا انتقد موضوعيا انغماس البعض في حالات الحزن الدائم و تجديد الاحزان المستمر و الهروب من معالجة تحديات الواقع . كذلك ينتقد البعض و انا ايضا انتقد موضوعيا معهم ، انغماس البعض في تصنع الايجابية الغير موضوعية و التفائل الغير منطقي و الروقان البائس . فلا المتفائل المفرط و لا صاحب الحزن المنغمس في حزنه صنعوا حلول عملية لتحديات الحياة ، و لم يساهموا في صنع واقع افضل لانفسهم و لاسرهم و لمن هم حولهم و لمجتمعهم فضلا عن المجتمع الانساني . فالتوازن و الموضوعية و السعي النشيط لحلحلة الامور و طرح. الحلول الفاعلة تبدأ بالموضوعية في قراءة الوضع و التفاؤل في ايجاد المخارج و الايجابية المتزنة في التنفيذ للحلول .
تعليق جانبي :
للمصارحة عجبني الشطر الشعري النالي لذات الانشودة : كل اللي في قلبه حاجه اول باول يقول . و انا قلت اللي في جعبتي في هذا الصدد و انتظر التعليق منكم اعزائي القراء .
جديد الموقع
- 2024-12-19 (قصة عجائبية من المخيال الاجتماعي الشعبي) (حلال المشاكل...القصة التي حفظتها أمهاتنا عن ظهر قلب)
- 2024-12-19 جمعية ابن المقرب تحتفي باللغة العربية في يومها
- 2024-12-19 سلطة النوع الأدبي وقراءة النص
- 2024-12-18 لماذا يتفوق الطلاب على الطالبات في مادة الرياضيات؟: وكيف يمكن تضييق الفجوة بينهم في هذه المادة
- 2024-12-18 الغذاء السيء لكل من الأم والأب قد يؤثّر سلبًا ويسبب ارتفاع الضغط وأمراض الكلى المزمنة في نسلهما إلى الجيل الرابع
- 2024-12-18 ورشة المرأة في اللوجستيات _ بمؤمر سلاسل الإمداد و الخدمات اللوجستية بالرياض
- 2024-12-18 جامعة الملك فيصل بالاحساء تحقق المركز الثالث في قياس التحول الرقمي لعام 2024 على مستوى قطاع التعليم والتدريب
- 2024-12-18 سمو محافظ الأحساء يدشن "برامج أكاديمية ريف السعودية"
- 2024-12-18 الأحساء.. وجهة سياحية تنبض بالتاريخ والطبيعة الخلّابة
- 2024-12-18 اللغة العربية في التعريب